فصل: باب البكاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


الدعاء

للنبي صلى الله عليه وسلم

حدثني أبو مسعود الدارمي‏:‏ قال‏:‏ حدثنا جريرٌ عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قال ربكم عزّ وجلّ ثلاثة‏:‏ واحدةٌ لي، وواحدةٌ لك يا بن آدم، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي فتخلِصُ لي لا تُشرِك بي شيئًا، وأما التي لك فأحوجُ ما تكون إلى عملك أوفيكه، وأمما التي بيني وبينك فمنك الدعاءُ وعلي الإجابة‏"‏‏.‏

ما يفتتح به النبي صلى الله عليه وسلم صلاته في قيام الليل حدّثني عَبْدةُ بن عبد اللّه قال‏:‏ أخبرنا زيد بن الحُبَاب قال‏:‏ حدثنا معاوية قال‏:‏ حدثني أزهرُ ابن سعيد عن عاصم بن حميد قال‏:‏ سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها، ما كان يفتتح به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم به صلاتَه في قيام الليل‏؟‏ قالت‏:‏ كان يُكبر عَشْرًا ويحمَدُ عشرا ويسبح عشرًا ويهلَل عشرًا ويستغفرُ الله عشرًا، وثم يقول‏:‏ ‏"‏اللهم اغفرْ لي واهدني وارزقني وعافني‏"‏، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح حدثنا حسين بن حسن المروزي قال‏:‏ حدثنا الخُفَافُ عن أبي الوَرْقاء عن عبد الله بن أبي أوفَى قال‏:‏ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال‏:‏ ‏"‏أصبحنا وأصبح الملكُ والكبرياءُ والعظمةُ والخَلقُ والأمرُ والليلُ والنهارُ وما يسكن فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك له‏.‏ اللهم اجعل أوّلَ هذا النهار صلاحًا وأوسطه فلاحًا وآخرَه نجاحًا‏.‏ اللهم إني أسألك خيرَ الدنيا وخير الآخرة يا أرحمَ الراحمين‏"‏‏.‏

دعاء الاستسقاء للحسين حدثنا إسحاق بن راهويه قال‏:‏ أخبرنا حسين بن عليّ الجُعْفِيِ عن إسرائيلي عن الحسين أنه كان إذا استسقى قال‏:‏ ‏"‏اللهم اسقنا سُقْيا واسعةً وادعةً عامةً نافعةَ غيرَ ضارة تعم بها حاضرَنا وبادينَا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا‏.‏ اللهم اجعله رزقَ إيمانٍ وعطاءَ إيمانٍ إن عطاءك لم يكن محظورًا‏.‏ اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبِتْ فيها زينتها ومرعاها‏"‏‏.‏

دعاء الاستسقاء للعباس روى الكلبيّ عن أبي صالح أن العباس قال‏:‏ يوم استسقى عمر رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏اللهم إنه لم ينزلْ بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبةٍ، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا الغيث،‏.‏ فأرخت السماءُ شابيب مثلَ الجبال بديمةٍ مُطبِقَةٍ‏.‏

دعاء عمر بن عبد العزيز عشية عرفة بعرفة وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك قال‏:‏ سمعت عمر بن عبد العزيز عشية عرفه بعرفة وهو يقول‏:‏ ‏"‏اللهم زِدْ في إحسان محسنهم، وراجعْ بمسيئهم إلى التوبة، وحُطْ من ورائهم بالرحمة‏"‏‏.‏

دعوات النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من مجلس حدّثنا حسين بن حسين قال‏:‏ حدّثنا عبد الله بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا يحيى بن أيوب عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء الدعوات‏:‏ لا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهونُ به علينا مصيباتُ الدنيا ومَتِّعنا بأسماعنا، أبصارنا، واجعل ذلك الوارثَ منا، وانصرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلَط علينا من لا يرحمنا‏"‏‏.‏

لشدّاد بن أوس ثم للنبي صلى الله عليه وسلم بلغني عن يونس عن الأوزاعيّ عن حسّانَ بن عُطَيًة قال‏:‏ كان شدّاد بن أوس في سفر، فنزلنا منزلًا فقال لغلامه‏:‏ ائتِنا بالسفرة نَعبث بها، فأنكرت منه، فقال‏:‏ ما تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطِمها وأزّمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عني، واحفظوا عني ما أقول لكم‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إذا كنز الناسُ الذهبَ والفضّة فاكنزوا هؤلاء الكلمات‏:‏ اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر والعزيمةَ في الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسنَ عبادتك أسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، أستغفرك لِما تعلم، إنك أنت علام الغيوب‏"‏‏.‏

من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم

بلغني عن الوليد بن مسلم قال‏:‏ حدّثنا أبو سلمة الحوسيّ عن سالم بن عبد الله قال‏:‏ كان من دعاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اللهم ارزقني عينين هطّالتين تبكيان بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دمًا والأضراس جمرًا‏"‏‏.‏

حدّثني أبو سفيان الغَنْوِيّ قال‏:‏ حدثنا عمر بن عِمران قال‏:‏ حدّثني الحارث بن عِنبة عن العلاء بن كثير عن أبي الأسقع‏:‏ أنه كان يحفظ من دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا موضعَ كلّ شكوى ويا شاهدَ كلّ نَجْوَى بكل سبيل أنت مقيم تَرَى ولا تُرَى وأنت بالمنظَر الأعلى‏"‏‏.‏

دعاء عيسى عليه السلام للمرض والعميان والمجانين حدّثنا عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال‏:‏ كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزِّمْنَى والعميان والمجانين وغيرهم‏:‏ ‏"‏اللهم أنت إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض لا إله فيهما غيرُك، وأنت جبار مَنْ في السماء وجبار مَنْ في الأرض لا جبارَ فيهما غيرك، وأنت حَكَمُ مَنْ في السماء وحَكَمُ مَنْ في الأرض لا حَكَمَ فيهما غيرُك، وأنت ملِك منْ في السماء وملِك مَنْ في الأرض لا ملِك فيهما غيرك؛ قُدرتُك في الأرض كقدرتِك في السماء، وسلطانُك في الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك الكريم ووجهِك المنير إمُلكِك القديم، إنك على كلّ شيء قدير،‏.‏ قال وهب‏:‏ هذا يُقرأ للفزع على المجنون ويُكتب له ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن اللهّ أيّ ذلك شاء فعل‏.‏

من دعاء المسيح حين أخذه اليهود وحدّثني أيضًا بهذا الإسناد قال‏:‏ كان من دعاء المسِيح حين أخذه اليهود ليصْلُبوه بزعمهم فرفعه الله إليك‏:‏ ‏"‏اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في دنوّك، الرفيع على كل شيء خَلْقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحَسِرَت الأبصار دون النظر إليك وعَشِيَتْ دونك وشمخ بك العلوّ في النور؛ أنت الذي جَلّيت الظُّلَمَ بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك مقدر الأمور بحكمتك، مبتدِعَ الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقتَ سبعًا في الهواء بكلماتك، مستوِياتِ الطباق مذعِناتٍ لطاعتك، سَمَا بهنّ العلوّ بسلطانك فَأجبْنَ وهنّ دخان من خوفك، فأتَيْنَ طائعاتٍ بأمرك، فيهن ملائكتك يسبّحون قدسَك بتقديسك وجعلتَ فيهنّ نورًا يجلو الظلام، وضياءً أضوا من شمس النهار، وجعلتَ فيهنّ مصابيحَ يُهتد بها في ظُلمات البحر والبر ورجومًا للشياطين، فتباركتَ اللهم في مفطور سمواتك، وفيها دَحَوت من أرضك، ودَحوتها على الماء، فأذللت لها الماء المتظاهر فذل لطاعتك وأذعن لأمرك وخضع لقوتك أمواجِ البحار، ففجّرتَ فيها بعد البحار الأنهارَ، وبعد الأنهار العيونَ الغِزار والينابيعَ؛ ثم أخرجت منها الأشجارَ بالثمار، ثم جعلتَ على ظهرها الجبالَ أوتادًا فأطاعتا أطوادُها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفةَ قدرتك ومن يُنعَتُ نعتك‏.‏ تُنزِل الغيث وتُنشِئ السحابَ، وتفُك الرقابَ وتَقْضِي الحقّ وأنت خير الفاصلين‏.‏ لا إله إلا أنت سبحانك أمرتَ أن يستغفرك كلُّ خاطئ‏.‏ لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك العلماء الأكياس‏.‏ أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذِكرُه، ولا كان لك شركاءُ يقضون معك فندعو ونَدَعُك، ولا أعانك أحدٌ على خَلْقِك فنشك فيك‏.‏ أشهدُ أنك أحد صمدٌ لم تلِد ولم يكن لك كفوًا أحدٌ، ولم تتخذ صاحبةً ولا ولدا‏.‏ اجعل لي من أمري فرجًا ومخرجا‏"‏‏.‏

قال وهب‏:‏ وهذا الدعاء عُوذَةٌ للشقيقة وغيرها من قولك‏:‏ ‏"‏أشهد أنك لستَ بإله استحدثناه، إلى آخره‏"‏‏.‏

لابن عباس في كيفية الدعاء حدّثني محمد بن عُبَيد قال‏:‏ حدّثنا سفيان بن عُيَينة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى، والدعاء هكذا، وأشار براحتيه إلى السماء، والابتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه ظهورُهما إلى وجهه‏"‏‏.‏

دعاء داود في الليل حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال‏:‏ كان داود إذا دعا في جوف الليل قال‏:‏ ‏"‏اللهم نامتِ العيونً وغارتِ النجومُ وأنت حيّ قيّوم اغفر لي ذنبي العظيم إنك عظيم‏.‏ وإنما يغفر العظيمَ العظيمُ، إليك رفعتُ رأسي عامرَ السماء نظرَ العبيد إلى أربابها‏.‏ اللهمّ تساقطت القُرَى وأبطِل ذكرُها وأنت دائبٌ الدهرَ مُعد كرسيَّ القضاء‏"‏‏.‏

من تحميد داود

قال‏:‏ وكان من تحميده‏:‏ ‏"‏الحمد للّه عدد قطَر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعددَ ما في البرّ والبحر‏.‏ والحمد للّه عددَ أنفاس الخَلْق ولَفْظهم وطَرْفهم وظِلالهم، وعددَ ما عن أيْمانِهم وشمائِلهم، وعددَ ما قهره ملكُه، ووسِعه حِفظُه، وأحاطت به قُدرته، وأحصاه علمُه‏.‏ والحمد للّه عددَ ما تجري به الرياحُ، وتحمله السحابُ، وعددَ ما يختلِف به الليلُ والنهارُ، وتسير به الشمسُ والقمرُ والنجومُ‏.‏ والحمدُ للّه عددَ كل شيء أدركه بصرُه، ونفذَ فيه علمًه، وبلغ فيه لطفًه‏.‏ والحمد للّه الذي أدعوه فيُجِيبُني وإن كنتُ بطيئًا حين يدعوني‏.‏ والحمد للّه الذي أسأله فيعطيني، وإن كنتُ بخيلًا حين يَستقرِضًني‏.‏ والحمد لله الذي أستعفِيه فيُعافيني، وإن كنتُ متعرضًا لما يُهلِكني‏.‏ والحمد للّه الذي حَلُم في الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا ذنبَ لي، ولو يؤاخِذُني لم يظلِمني سيدي‏.‏ والحمد للّه الذي أرجوه أيامَ حياتي، وهو ذُخْرِي في آخرتي، ولو رَجوتُ غيره لانقطع رجائي‏.‏ والحمد لله الذي تُمسِي أبواب الملوك مغلقةً دوني، وبابُه مفتوح لكل ما شئتُ من حاجاتي بغير شفيع فيقضيها لي‏.‏ والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتى، وأضعُ عنده سرّي في أي ساعة شئتُ من ساعاتي‏.‏ والحمد لله الذي تحبب إليَّ وهو عني غَنِي، فربّي أحمدُ شيء عنده وأحقُه بحمده‏"‏‏.‏

دعاء يوسف عليه السلام وكان من دعاء يوسفَ‏:‏ ‏"‏يا عُدَتي عند كربتي، ويا صاحبي في وَحْدَتي، ويا غِياثي عند شدتي، ومَفزَعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعتْ حيلتي، إلهي وإله آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، اجعل لي فرجًا ومخرجًا واقض حاجتي‏!‏‏.‏

دعاء بكّاء بني إسرائيل وكان بَكاء بني إسرائيل يقول‏:‏ ‏"‏اللهم لا تؤدبْني بعقوبتك، ولا تمكُرْ بي في حيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي فاغفِرْ، ويسير عملي فتقبل، كما شئتَ تكون مشيئتك، وإذا عزمتَ يمضي عزمُك؛ فلا الذي أحسنَ استغنى عنك وعن عَونك، ولا الذي أساء استبد بشيء يخرُج به من قُدرتِك؛ فكيف لي بالنجاة ولا توجدُ إلا من قِبَلِك‏!‏ إلهُ الأنبياء وولي الأنبياء، وبديعُ مرتبة الكرامة، جديد لا يبلى، حفيظٌ لا يَنْسَى؛ دائمٌ لا يبيد، حي يموت، يقظانُ لا ينام؛ بك عرفتُك، وبك اهتديتُ إليك، ولولا أنت لم أعْرِ ما أنتَ؛ فتباركت وتعاليتَ‏"‏‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم قال الأزديّ‏:‏ حدَثتُ عن محمّد بن النضر الحارثي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من يقطع الشهادةَ عليهم فأنا منه بريءٌ إنّ الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة وقال‏:‏ ‏"‏من عَلّم آيةً‏!‏ كتاب اللّه أو كلمةً من سنّة في دين الله حثا الله له من الثواب حثوًا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وقال الأوزاعيّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏اللهم إني أسألك التوفيق لمحَابِّك الأعمال وحسن الظن بك وصحة التوكل عليك‏"‏‏.‏

لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد سمع رجَلًا يدعو عند الكعبة محمد بن بشر العَبْدِي قال‏:‏ حدثنا بعض أشياخنا قال‏:‏ اعتمر علي عليه السلام ورجلًا متعلقًا بأستار الكعبة وهو يقول‏:‏ يا من لا يشغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلِطه المسائل ولا يبرمه إلحاحُ الملحين؛ أذقْني بَرْدَ عفوك وحلاوةَ مغفرتك‏.‏ فقال علي‏:‏ والذي نفسي بيده لو قلتها وعليك ملءُ السموات والأرَضين ذنوبًا لغُفِر لك‏.‏

دعاء أعرابي عند الملتزم دعا أعرابي عند الملتزَم فقال‏:‏ اللهم إن لك علي حقوقًا فتصدَقْ بها علي، وللناس تَبِعاتٍ فتحملها عني، وقد أوجبتَ لكل ضيف قِرى، وأنا ضيفُك فاجعلْ قِراي الليلة الجنةَ‏.‏

مثله لآخر وقال آخر‏:‏ اللهم إليك خرجِتُ، وما عندك طلبتُ، فلا تحرمني خيرَ ما عندك لشرّ ما عندي‏.‏ اللهم وإن كنتَ لم ترحم نصَبي وتَعَبي فلا تحرمني أجرَ المصابِ على مصيبته‏.‏

من كتاب لشيخ للمؤلف

وقرأتُ في كتابٍ لشيخ لنا‏:‏ اللهمّ إنه من تهيأ و تعبأ، وأعد واستعدّ لوِفَادة مخلوقٍ رَجاءَ رفدِه وطَلَبَ نَيلِه، فإن تهيّئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي لك رجاءَ رِفدك وطلبَ نائلك الذي لا خطَر ولا مِثلَ‏.‏ اللهمّ إني لم آتَك بعمل صالح قدّمتُه، ولا شفاعةِ مخلوقٍ رجوته، أتيتك مُقِرا بالظُلم والإساءةِ على نفسي، أتيتُك بأنّي لا حجةَ لي، أرجو عظيمَ عفوك الذي عدتَ به علي الخَطّائين، ثم لم يمنعك عكوفُهم على عظيم الجُرم أن جُدتَ لهم بالمغفرة‏.‏ فيا مَنْ رحمته واسعةٌ، وفضلُه عظيم اغفر الذنبَ العظيم‏.‏

للفضل بن عيسى الرقاشي ابن عائشة قال‏:‏ قال الفضل بن عيسى الرٌقاشِي‏:‏ اللهم لا تُدخِلنا النارَ بعد إذ أسكنتَ قلوبَنا توحيدَك؛ وإني لأرجو ألا تفعلَ، ولئن فعلتَ لتجمعنَ بيننا وبين قوم عاديناهم فيك‏.‏

لأبي حازم بلغني عن ابن عيَيْنةَ عن أبي حازم قال‏:‏ لأنا مِنْ أن أمنَع الدعاءَ أخوفُ منّي من أن أمنَع الإجابةَ‏.‏

لبعض الشعراء في وصف دعوة أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة‏:‏

وسارية لم تَسْرِ في الأرض تبتغي *** مَحَلًا ولم يقطع بها البيد قـاطـعُ

سَرتْ حيث لم تَسْرِ الركابُ ولم تُنَخْ *** لِورْد ولم يَقصُصْ لها القيْدَ مانـعُ

تَحل وراءَ الليل واللـيلُ سـاقـط *** بأوراقه فيه سـمـيرٌ وهـاجـعُ

تَفَتَحُ أبوابُ الـسـمـاء ودونَـهـا *** إذا قَرَع الأبوابَ منـهـن قـارعُ

إذا أوفدتْ لم يروُرِ اللُه وفـدَهـا *** على أهلها واللـه راءٍ وسـامـع

وإني لأرجو اللَه حتى كـأنـنـي *** أرى بجميل الظنَ ما الله صانـع

وقال آخر‏:‏

وإني لأدعو الله والأمرُ ضـيَق *** علي فما ينفك أن يتـفـرًجـا

ورُث فتى سُدًتْ عليه وجوهُـهُ *** أصاب له في دعوةِ الله مَخرجا

ونحوه‏:‏

إذا تضايقَ أمرٌ فانتظر فرجـًا *** فأضيقُ الأمر أدناه من الفرج

كتاب رجل من العرب لآخر أخذ له مالًا أخِذَ لرجلٍ من العرب مالٌ فكتبَ إلى آخِذه‏:‏ يا هذا، إن الرجلَ ينام علىِ الثكْل، ولا ينام على الحَرَبِ؛ فإمّا رددتَه، وإما عرضتُ اسمَك على الله تعالى كل يوم وليلةٍ خمْسَ مراتٍ رد بكر بن عبد اللّه على رجل طلب منه أن يدعو له قال عبد الرحمن بن زياد‏:‏ اشتكَى أبي فكتب إلىِ بكر بن عبد الله يسأله أن يدعُوَ فكتب إليه بكر‏:‏ يحقّ لمن عمِل ذنبًا لا عُذر له فيه، وتوقَع موتًا لا بد له منه، أن يكون وجلًا مشفِقًا، سأدعو لك، ولستُ أرجو أن يُستجابَ لي بقوة في عملٍ، ولا براءةٍ من ذنبٍ، والسلام لإبراهيم بن أدهم خَلَفُ بنُ تميم عن عبد الجبّار بن كُلَيب قال‏:‏ قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عَرض لنا السبعُ‏:‏ قولوا‏:‏ اللهم احرُسْنا بعينك التي لا تنامُ، واجعلنا في كَنَفك الذي لا يُرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا نَهلِكُ وأنت رجاؤنا‏.‏ قال خَلف‏:‏ فما زلتُ أقولُها مذ سمعتُها، فما عَرض لي قط لِصٌ ولا غيرُهُ‏.‏

لأعرابي في الاستغفار قال أعرابيّ‏:‏ من أقام بأرضنا فليُكثر من الاستغفار، فإنْ مع الاستغفار القُطَارَ‏.‏

كلمات عبر بهنّ العلاء بن الحضرمي البحر إلى أهل دارين بلغني عن موسى بن مسعود النًهْدي عن سفيان الثوري عن قُدامة بن حَمَاطَة الضَبيّ عن خالد بن مِنْجاب عن زياد بن حُدَير الأسديّ أن العلاء بنَ الحضرَميّ عبرَ إلى أهل دَارِينَ البحر بهذه الكلمات‏:‏ يا حليمُ يا حكيمُ يا عليُ يا عظيمُ‏.‏

دعاء لقضاء الحاجة حدّثني محمد بن عُبَيد قال‏:‏ حدّثنا يزيد بن هارون عن هشام الدَّسْتَوَائيّ عن حمّاد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجةَ صلَى ركعتين ثم قال‏:‏ اللهم إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرُك بقُدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتملِك ولا أملِك، وتعلَمُ ولا أعلَمُ، إن كان هذا الأمرُ الذي أريده - وتسميّه - خيرًا لي في دِيني وخيرًا لي في معيشتي وخيرًا لي فيما أبتغي فيه الخِيَرَةَ فيَسرْه لي وباركْ لي فيه، وإن كان شرًَا لي في دِيني شرًّا لي في معيشتي وشرًّا لي فيما أبتغي فيه الخيرَ فاصرفه عنّي، ويسَرْ لي الخيرَ حيث كان ثم رضَني به‏.‏

من دعاء لبعض الصالحين

ومن دعاء بعض الصالحين‏:‏ اللهم إنًي أستغفرك من كل ذنبِ قَوِيَ عليه بدني بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطتُ إليه بسَعَة رزقك، واحتجَبتُ فيه عن الناس بسَتْرك، اتّكَلْتُ فيه على أنَاتِكَ وحِلْمك، وعولتُ فيه على كريم عفوك‏.‏

الأوزاعي في دعاء الأوزاعيّ قال‏:‏ مَن قال‏:‏ ‏"‏اللهمّ إني أستغفرك لمَا تبتً إليك منه ثم عدتُ فيه، وأستغفِرُك مَا وعدتُك من نفسي وأخلفتُك، وأستغفرك لمَا أردتُ به وجهَك فخالَطَه ما ليس لكَ، وأستغفرك للنًعم التي أنعمتَ بها عليّ فتقويْتُ بها على معصيتك، وأستغفرك لكل ذنبٍ أذنبتُه أو معصيةٍ ارتكبتها‏"‏غفر الله له ولو كانت ذنوبُه عَدَدَ ورق الشجر، ورمل عالج، وقَطْرِ السماء‏.‏

دعاء مطرف وكان مُطَرِّف يقول‏:‏ اللهمّ إني أعوذً بك من شر السلطان، ومن شرّ ما تجرِي به أقلامُهم وأعوذ بك أن أقولَ قولًا حقًّا فيه رضاك ألتمس به أحدًا سواك، وأعوذ بك أن أتزيًن للناس بشي يَشينُني، وأعوذ بك أن أكونَ عِبرةً لأحدٍ من خَلْقك، وأعوذ بك أن يكونَ أحدٌ من خَلْقك أسعد بما علّمتَني منّي، وأعوذ بك أن أستغيثَ بمعصيةٍ لك من ضُر يُصيبني‏.‏

بين مالك بن دينار وقومًا سألوه أن يدعو الله للاستسقاء الأزديّ عن عبد الواحد بن زيد قال‏:‏ شهدتُ مالكَ بن دينار يومًا وقيل له‏:‏ يا أبا يحيى ادعُ اللَه أن يَسقيَنَا‏.‏ قال‏:‏ تستبطِؤون المطرَ‏!‏ قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ إنني والله أستبطئُ الحجارَة‏.‏

لعطاء السُلمي قال أبو كعب‏:‏ سمعتُ عطاءً السُلَمِيّ يقول‏:‏ اللهم ارحَمْ غُرْبتي في الدنيا، ومَصرعي عند الموت ووحدتي في القبور، ومُقامي بين يديك‏.‏

في أن اللّه تعالى قسمَ الأخلاق على العباد كما قسم الأرزاق حدثني محمد بن عبد العزيز قال‏:‏ حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال‏:‏ حدّثنا زُهير عن زُبيد اليامي عن مُرةَ عن عبد الله قال‏:‏ إن الله تعالى قسمَ بينكم أخلاقَكم كما قسمَ بينكم أرزاقَكم، إن الله يُؤتِي المالَ مَنْ يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمانَ إلا من يُحِب‏.‏ فمن ضن بالمال أن يُنفقه، وهاب العدوً أن يُجاهده، والليلَ أن يكابدهَ فليُكثِرْ من سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر‏"‏‏.‏

ومن جامِع الدعاء‏:‏ اللهمّ أغنني بالعِلْم، وزيني بالحِلْم، وجفَلني بالعافية، وأكرمني بالتقوى‏.‏

من دعاء أبي المجيب وكان من دعاء أبي المجيب‏:‏ اللهم لا تَكِلْنا إلى أنفسنا فنعجِز، ولا إلى الناس فنَضِيعَ، اللهمّ اجعلْ خيرَ عملي ما قاربَ أجلي‏.‏

من دعاء عمرو بن عبيد ومن دعاء عمرو بن عبيد‏:‏ اللهم أغنِني بالافتقار إليك، ولا تُغنِني بالاستغناء عنك‏.‏

لابن عون فيما كانوا يستحبون من الدعاء ابن عائشة عن سلام بن أبي مُطِيع قال‏:‏ سمعت ابن عون يقول‏:‏ كانوا يَستحبون من الدعاء‏:‏ اللهم عبدُك وابن عبدك وابن أمَتِك لعبيدك وإمائك، أنا الذليلُ ولا أنتصر، وأنا الظالم ولا أغتفر، عملتُ سوءا وظلمتُ نفسي وإلّا تغفر لي وترحمْني أكنْ من الخاسرين‏.‏ فما أتمها ابن عون حتى أجهشَ بالبكاء‏.‏

من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اجعلْني لك شَكارًا، لك ذَكّارًا، لك رهابًا، لك مطيعًا، إليك مُخبِتًا، لك أواهًا مُنيبًا، رب تَقبلْ توبتي واغسِلْ حَوْبتي وأجبْ دعوتي وثبت حجتي واهدِ قلبي وسددْ لساني‏"‏‏.‏

المناجاة

دعاء لبعضهم حدثني عبد الله بن هارون عن سُلَيم بن منصور عن أبيه قال‏:‏ كنتُ بالكوفة فخرجتُ في بعض الليل لحاجة وأنا أظنُ أني قد أصبحتُ فإذا علي ليلٌ فمِلْتُ إلى بعض أبوابها أنتظر الصبحَ فسمعتُ من وراء الباب كلامَ رجلٍ وهو يقول‏:‏ فوعزتك وجَلالِك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتَكَ، وما عَصَيتُك إذ عصيتُك وأنا بنَكالِكَ جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظركَ مُستخِفٌ، ولكن سولتْ لي نفسي، وأعانني على ذلك شِقْوَتي، وغرني سَتْرُك المرْخَى علي، فعصيتُك بجهل وخالفتُك بجهل، فالآنَ من عذابك مَنْ يستنقِذُني وبحبل مَنْ أعتصمُ إن قطعتَ حبلَك عني، فوا سوأتاه من الوقوف بين يديك غدا‏!‏ إذا قيل للمِخفَين‏:‏ جُوزُوا، وللمثْقِلين‏:‏ حُطُوا؛ أفمع المثقلين أحُط أم مع المخفَين أجُوز‏!‏ ويلي‏!‏ كلمّا كَبِرتْ سِني كَثُرتْ ذنوبي؛ ويليِ‏!‏ كُلما طال عمري كثُرت مَعاصِي فمِنْ كَمْ أتوبُ‏!‏ وفي كم أعودُ‏!‏ أما آن لي أن أستحييَ من رَبيَ‏!‏‏.‏

من مناجاة داود عليه السلام بلغني عن الوليد بن مُسلم عن عثمان بن أبي العاتكة قال‏:‏ كان داودُ النبي عليه السلامُ يقول في مناجاته‏:‏ سبحانكَ إلهي‏!‏ إذا ذكرتُ خطيئتي ضاقت علي الأرضُ برُحْبها، وإذا ذكرت رحمتَك ارتد إلي رُوحي، سبحانك إلهي‏!‏ أتيتُ أطباءَ عبادك ليُداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يَدُلُني‏.‏

لداود الطائي حدّثني بعضُ أشياخنا قال‏:‏ كان داودُ الطائي يقول‏:‏ همك عطًلَ علي الهمومَ، وحالف بيني وبين السُّهادِ، وشدّةُ الشفَق من لقائك أوبقَ عليَّ الشهواتِ، ومنعني اللذْاتِ، فأنا في طلبك أيها الكريمُ مطلوبٌ‏.‏

لضيغم وقال‏:‏ تعبدَ ضيغم قائمًا حتى اقعِدَ، وقاعدًا حتى استلقَى، ومُستلقيًا حتى أفحم؛ فلما جَهِد رفع بصرَه إلى السماء وقال‏:‏ سبحانك، عجبًا للخليقة كيف أرادتْ بك بدَلًا‏!‏ وسبحانك عجبًا للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذكر غيرك‏!‏ وعجبًا للخليقة كيف أنسَتْ بسواك‏.‏

لامرأة من التابعين عُتبة أبو الوليد قال‏:‏ كانت امرأة من التابعين تقول‏:‏ سبحانك، ما أضيقَ الطريقَ على من لم تكن دليلَه، سبحانك ما أوحشَ الطريقَ على لم تكن أنيسَه‏.‏

مناجاة عروة بن الزبير أبو الحسن قال‏:‏ كان عُروة بن الزُبير يقول في مناجاته بعد أن قُطِعتْ رجلُه ومات ابنُه‏:‏ كانوا أربعةً، يعني بنيه، فأخذتَ واحدًا وأبقيتَ ثلاثةً، وكن أربعًا يعني يديْه ورِجليه؛ فأخذتَ واحدةً وأبقيتَ ثلاثًا،‏.‏ لَيْمُنُكَ لئن كنتَ أخذتَ لقد أبقيتَ، ولئن كنتَ ابتليتَ عافيتَ‏.‏

بين يونس وجبريل عليهما السلام وأعبد أهل الأرض وفي حديث بني إسرائيل أن يونُس عليه السلامُ قال‏:‏ لجبريلَ عليه السلام‏:‏ دُلني على أعبِد أهل الأرض‏.‏ فدلَه على رجل قد قَطَع الجُذامُ يديه ورِجليْه، وذهب ببصرَه، فسمِعه يقول‏:‏ متّعتَني ما شئتَ، وسلبتَني حين شئتَ، وأبقيتَ لي فيك الأملَ يا بارُ يا وَصُولً‏.‏

من دعاء لبعض الصالحين ومن دعاء بعض الصالحين‏:‏ اللهمّ اقطع حوائجي من الدنيا بالشوق إلى لقائك، واجعل قُرَّةَ عيني في عبادتك، وارزقني غَم خوفِ الوعيدِ، وشوقَ رجاءِ الموعود، الَلهمّ إنك تعلم ما يصلِحُني في دنياي وآخرتي فكن بي حفِيًّا‏.‏

باب البكاء

بين النبي صلى الله عليه وسلم وفتى من الأنصار حدّثني أبو مسعود الدارِميّ قال‏:‏ حدثني جدّي عن أنَس بن مالك قال‏:‏ جاء فتًى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ إن أمي تُكثر البكاءَ وأخاف على بصرها أن يذهب، فلو أتيتَها فوعَظتَها‏!‏ فذهب معه فدخل فقال لها في ذلك؛ فقالت‏:‏ يا رسول الله، أرأيتَ إن ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ إلى الجنة، أيُبدلني الله خيرًا منه‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏ قالت‏:‏ فإن ذهب بصري في الدنيا ثم صرت إلى النار، أفيُعِيد الله بصري‏؟‏ فقال النبيّ عليه السلام للفتى‏:‏ لا إن أمّك صِدَيقةٌ‏"‏‏.‏

لثابت بن سعيد في ثلاث أعين لا تمسها النار حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن ثابت بن سعيد قال‏:‏ ثلاث أعينٍ لا تمسها النار؛ عين حرَسَتْ في سبيل اللّه؛ وعينٌ سهِرتْ في كتاب الله، وعينٌ بكتْ في سواد الليل من خشية الله‏.‏

لأبي إبراهيم أبو حاتم عن العُتبي قال‏:‏ حدثنا أبو إبراهيم قال‏:‏ لا يكون البكاءُ إلا من فضل فإذا اشتد الحزنُ ذهب البكاء وأنشد‏:‏

فلئن بكيناه يَحِقُّ لـنـا *** ولئن تركنا ذاك للكِبر

فلمثله جرت العيونُ دَمًا *** ولمثله جمَدتْ فلم تَجرِ

عن عَمْرو بن العاص في يحيى بن زكريا

بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‏:‏ دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج، فنظر إلى عبادِ بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى متهجِّديهم، أو قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا‏:‏ يا يحيى هلمَّ فلنلعبْ قال‏:‏ إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتيناه الحكمَ صبيّا‏}‏ فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدُمه نهارًا ويَصيحُ فيه ليلًا، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه الخوفُ فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين نزلا من جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ قدميه في الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول‏:‏ وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى أعلَم أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصًا كان معهما من شَعير، ويشربَ من الماء ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏وَبَرًا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبارًا عَصِيًا‏}‏ ورده أبواه إلى بيت المقدس فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه‏:‏ يا يحيى‏"‏لو أذنتَ لي لاتخذتُ لك لبدًا لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين‏"‏‏.‏ قال‏:‏ أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها، فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على ذراعَيْ أمَهِ قال‏:‏ اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين‏.‏

ليزيد الرقاشيّ بلَغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخَمِيسيّ قال‏:‏ كان يزيدُ الرقاشي يقول‏:‏ ويحك يا يزيدُ‏!‏ مَن يصومُ عنك‏!‏ مَن يصلَي عنك‏!‏ ومن ذا يترضَى لك ربك من بعدك‏!‏ ثم يقول‏:‏ يا معشر مَنِ الموت موعده، والقْبرُ بيتُه ألا تبكون‏!‏ قال‏:‏ فكان يبكي حتى تسقطَ أشفارُ عينيه‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم في البكاء من خشية الله بلَغني عن محمد بن فُضَيل عن العَلاء بن المسيًب عن الحَسن قال‏:‏ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا منْ قطرةٍ أحب إلى الله مِنْ قطرةِ دمٍ في سبيله وقطرةِ دمعٍ في جوف الليل من خشيته، وما من جرْعةٍ أحبُّ إلى الله من جَرْعةِ مصيبة مُوجِعة ردّها بصبرٍ وحسُن عزاؤه، وجرعةِ غيظٍ كظَم عليها‏"‏‏.‏

لمعتمر بن سليمان عن رجل في بكاء ابن عباس مُعتَمِر بن سليمان عن رجلٍ قال‏:‏ كان في وجنتَي ابن عباس خطَّان من أثر الدموع‏.‏

بين سيار بن جعفر ومحمد بن واسع حدثني محمدُ بن داود عن سعيد بن نُصَيْر قال‏:‏ حدثنا سَنار عن جعفرٍ قال‏:‏ كنتُ إذا أحسستُ من قلبي بقسوة أتيتُ محمدَ بن واسعٍ فنظرتُ إليه نظرةً؛ قال‏:‏ وكنت إذا رأيت وجهَه حسبتُه وجهَ ثَكلَى‏.‏

وكان يقال‏:‏ أخوك مَنْ وعَظَك برؤيته قبلَ أن يعظَك بكلامه‏.‏

تكلم الحسَن يومًا حتى أبكَى مَن حولَه فقال‏:‏ عَجيج كعجيج النساء ولا عزم، وخدعةٌ كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عِشاءً يبكون‏.‏

لمالك بن دينار وقد فقد مصحفه في مجلسه أبو عاصم قال‏:‏ فقَدَ مالكُ بن دينار مصحفَه في مجلسه؛ فنظر إليهم كلَهم يبكون؛ فقال كلُّكم يبكي فمن سرَق المصحف‏؟‏ لعبد العزيز بن مرزوق قال عبد العزيز بن مرزوق‏:‏ الكمد أبقَى للحزن‏.‏ وكانت له شُعَيرات في مُقدمَّ صُدْغه فإذا رق نتفها أو مدَها إلى فوق فتقلصَ دمعُه‏.‏

لغالب بن عبيد اللّه قيل لغالب بن عبيد الله‏:‏ إنا نخاف على عينك العمى من طول البكاء‏.‏ فقال‏:‏ هُوَ لها شفاعة‏.‏

لبعض الشعراء في البكاء قال بعض الشعراء‏:‏

سأبكيك حتى تُنْفِدَ العينُ ماءَها *** ويَشفِيَ مني الدمعُ ما أتوجعً

مثله لبعض الكتاب وقال بعض الكتابِ في مثله‏:‏

إبك فمن أنفع ما في البكا *** أنّه للأحزان تـسـهـيلُ

وهو إذا أنت تأمـلـتَـه *** حُزْنٌ على الخدّين محلول

لعفيرة العابدة في البكاء

قيل لعُفَيْرةَ العابدة‏:‏ ألا تسأمين من طول البكاء؛ فبكت ثم قالت‏:‏ كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن يكونَ له فيه من دائه شفاء‏!‏‏.‏

بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني قال ابن أبي الحوَارِي‏:‏ رأيت أبا سليمان الدارانيّ يبكي، فقلت له‏:‏ ما يُبكيك‏؟‏ فقال‏:‏ إنما أبكِي لذلك الغم الذي ليس فيه فرحٌ، وذلك الأمدِ الذي ليس له انقطاعٌ‏.‏

بين بعضهم وراهب بدير حرملة قال بعضهم‏:‏ أتيتُ الشأمَ، فمررتُ بدير حَرْمَلَة، وبه راهبٌ كأن عينيْه عِدْلًا مَزادٍ؛ فقلتُ‏:‏ ما يُبكيك‏.‏ فقال‏:‏ يا مسلمً، أبكِي على ما فرطتُ فيه من عمري، وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يَتبيَّنْ فيه عملي‏.‏ قال‏:‏ ثم مررتُ بعد ذلك فسألتُ عنه؛ فقالوا‏:‏ أسلمَ وغَزَا فقُتِل في بلاد الروم‏.‏

ليزيد الرقاشي أشعث قال‏:‏ دخلتُ على يزيد الرقَاشيّ فقال لي‏:‏ يا أشعثُ، تعالَ حتى نبكيَ على الماء البارد في يوم الظمأ‏.‏ ثم قال‏:‏ والهفاه‏!‏ سبقني العابدون وقُطِعَ بي‏.‏ وكان قد صام ثلاثين أو أربعين سنة‏.‏

بين زيد الحميري وثوبان الراهب زيد الحميريّ قال‏:‏ قلتُ لثوبانَ الراهب‏:‏ أخبرني عن لُبْس النصارى هذا السوادَ، ما المعنى فيه‏؟‏ قال‏:‏ هو أشبه بلباس أهل المصائب‏.‏ قال فقلتُ‏:‏ وكلّكم معشرَ الرهبان قد أصيبَ بمصيبة‏؟‏ فقال‏:‏ يرحمك الله‏!‏ وأيّ مصيبةٍ أعظمُ من مصائب الذنوب على أهلها‏!‏ قال زيد‏:‏ فلا أذكر قولَه ذلك إلا أبكاني‏.‏

أيضًا بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحوَاريّ قال‏:‏ دخلت على أبي سليمان وهو يبكي، فقلت‏:‏ ما يُبكيك‏.‏ قال‏:‏ يا أحمد، إنه إذا جَن الليلُ وهدأت العيونُ وأنسَ كلُ خليلَ بخليله، فرَشَ أهلُ المحبة أقدَامهم، وجرت دموعُهم على خدودهم يُسمع لها وقعٌ على أقدامهم، وقد أشرف الجليلُ عليهم فقال‏:‏ بعيني مَنْ تلذَذَ بكلامي واستراح إليَّ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم‏!‏ هل أخبركم أحدٌ أن حبيبًا بعذَبُ أحباءَه‏!‏ أم كيف أبيتُ قومًا، وعند البيات أجدهم وقوفًا يتملقونني‏!‏ فبي حلفتُ أن أكشفَ هم يومَ القيامة عن وجهي ينظرون إلي‏.‏

للخنساء في بكائها على أخيها صخر قالت خنساء‏:‏ كنتُ أبكي لصخر من القتال، فأنا أبكي له اليوم من النار‏.‏

بين عمر بن ذر وأبيه قال عمر بن ذَرٍّ لأبيه‏:‏ يا أبتِ، ما لَكَ إذا تكلمت أبكيتَ النساَ، وإذا تكلّمَ غيرُك يُبكهم‏؟‏ فقال‏:‏ يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المسأجرَة‏.‏

بعض ما أوحى به اللّه تعالى إلى نبي من أنبيائه وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه‏:‏ هبْ لي من قلبك الخشوعَ، ومن بَدَنك الخضوعَ، ومن عينك الدموعَ، وادعُني، فإني قريب‏.‏

لعمر وكان عمر يقول‏:‏ استغزروا العيون بالتذكر‏.‏

التهجد

للنبي صلى الله عليه وسلم حدثنا حسين بن حسن المَرْوَزي قال‏:‏ حدثنا عبد اللّه بن المبارك قال‏:‏ أخبرني مَعْمرَ والأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كَثِير عن أبي سلَمة عن أبي زَمَعة بن كعب الأسلميّ قال‏:‏ كنت أتيتُ عند حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعُ، إذا قام من الليل‏:‏ ‏"‏سبحانَ الله رب العالمين‏"‏الهَوِي من الليل، ثم يقول‏:‏ ‏"‏سبحانَ اللِه وبحمده‏"‏الهَوِيً‏.‏

حدثنا حسين قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عُيَينة عن زياد بن عِلاَقَة قال‏:‏ سمعتُ المُغيرةَ بن شعْبة يقول‏:‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توزمت قدَماه فقيل‏:‏ يا رسول الله، قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؛ قال‏:‏ ‏"‏أفلا أكون عبدًا شكورًا‏"‏‏.‏

حدّثنا حسين قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا حمّاد بن سلَمة عن ثابت البُنَاني عن مُطَرف بن عبد الله عن أبيه قال‏:‏ أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل‏.‏

ليزيد الرقاشي بلغني عن رَبَاح عن معْتمِر عن رجل قد سمّاه قال‏:‏ قال يزيد الرًقَاشيٌ‏:‏ إذا أنا نمتُ ثم استيقظتُ ثم نمتُ فلا نامت عينايَ، وعلى الماءِ الباردِ السلامُ‏.‏ يعني بالنهار‏.‏

بين عمر وعبيدة بن هلال الثقفي وروى جَرير عن عطاء بن السائب قال‏:‏ قال عبيدة بن هلال الثَّقفي‏:‏ لا يشهد عليّ ليل بنومٍ ولا شمسٌ بإفطارٍ‏.‏ فبلغ ذلك عمرَ فأقسم عليه ليُفطرن العيدين‏.‏

قول عبيدة بن هلال لأهله

وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال‏:‏ كان يقول لأهله‏:‏ يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ، الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى‏.‏

لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ‏:‏ أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء‏.‏

قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال‏:‏ يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا بفضل نعيمكم‏.‏

للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن‏:‏ ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؛ فقال‏:‏ إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره‏.‏

لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال‏:‏ كان رجل يقال له همام يقول‏:‏ اللهمً اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرًا في طاعتك‏.‏ وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛ فيقول بعضُهم لبعض‏:‏ إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة‏.‏

لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود‏:‏ كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال‏:‏ ‏"‏عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السرَى‏"‏‏.‏

بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال‏:‏ أخذ الفُضَيل بن عياض بيدي ثم قال‏:‏ يا حسين، يقول الله‏:‏ كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه‏!‏ هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة وكلَموني على الحضور‏.‏

لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ كنَّا نعازي عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ نادانا ونحنُ في فِسطاطنا‏:‏ يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على صلاتِهِ‏.‏

لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال‏:‏ صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال‏:‏ واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأى أحدًا يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثًا غُبْرًا صُفْرًا، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين‏.‏ يريد أنهم يستقلّون ذلك‏.‏

لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال‏:‏ حدثنا أبو عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال‏:‏ إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض‏.‏

لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى قال‏:‏ كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض‏.‏

لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال‏:‏ حدثنا أبو الربيع الزَّهْراني قال‏:‏ حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى الضوءَ بالليل؛ قال‏:‏ هو من الشيطان، لو كان هذا فضلًا لأوثر أهلُ بدر‏.‏

الموت

بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال‏:‏ نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال‏:‏ ما تنظُر يا محمد‏؟‏ قلت‏:‏ أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من لونك‏.‏ فقال‏:‏ أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على وجنتيّ، وسال منخراي صديدًا ودودًا، لكنتَ أشد نَكرَة‏.‏

لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي‏:‏ دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول‏:‏

وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال‏:‏ كان يقول لأهله‏:‏ يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ، الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى‏.‏

لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ‏:‏ أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء‏.‏

قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال‏:‏ يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا بفضل نعيمكم‏.‏

للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن‏:‏ ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهًا؛ فقال‏:‏ إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره‏.‏

لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال‏:‏ كان رجل يقال له همام يقول‏:‏ اللهمً اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرًا في طاعتك‏.‏ وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛ فيقول بعضُهم لبعض‏:‏ إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة‏.‏

لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود‏:‏ كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال‏:‏ ‏"‏عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السرَى‏"‏‏.‏

بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال‏:‏ أخذ الفُضَيل بن عياض بيدي ثم قال‏:‏ يا حسين، يقول الله‏:‏ كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه‏!‏ هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة وكلَموني على الحضور‏.‏

لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال‏:‏ حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ كنَّا نعازي عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ نادانا ونحنُ في فِسطاطنا‏:‏ يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على صلاتِهِ‏.‏

لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال‏:‏ صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال‏:‏ واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأى أحدًا يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثًا غُبْرًا صُفْرًا، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين‏.‏ يريد أنهم يستقلّون ذلك‏.‏

لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال‏:‏ حدثنا أبو عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال‏:‏ إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض‏.‏

لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى قال‏:‏ كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض‏.‏

لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال‏:‏ حدثنا أبو الربيع الزَّهْراني قال‏:‏ حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى الضوءَ بالليل؛ قال‏:‏ هو من الشيطان، لو كان هذا فضلًا لأوثر أهلُ بدر‏.‏

الموت

بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال‏:‏ حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال‏:‏ نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال‏:‏ ما تنظُر يا محمد‏؟‏ قلت‏:‏ أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من لونك‏.‏ فقال‏:‏ أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على وجنتيّ، وسال منخراي صديدًا ودودًا، لكنتَ أشد نَكرَة‏.‏

لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي‏:‏ دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول‏:‏

عَدِمتُ الحياةَ ولا نـلـتـهـا *** إذا كنت في القبر قد ألحدوكا

وكيف أذوق لـذيذ الـكـرى *** وأنت بيمناك قد وسّـدوكـا

قال الأزديّ‏:‏ بلغني أن داود الطائيّ مر بامرأة تبكي عند قبرٍ وهي تقول‏:‏ يا أخاه‏!‏ شعري‏:‏

بأيَ خديك تبدي البِلى *** وأيُ عينيك إذًا سالا

شعر لمالك بن دينار وقد أتى القبور حدّثني محمد بن مرزوق قال‏:‏ حدّثنا محمد بن نصر المعلم قال‏:‏ حدّثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال‏:‏

أتيت القبـورَ فـنـاديتُـه *** ن أين المعظَّم والمحتقَـرْ

وأين المدلُ بسلـطـانـه *** وأين المزكَى إذا ما افتخَرْ

قال‏:‏ فنوديتُ من بينها ولا أرى أحدًا‏:‏

تفانَوْا جميعًا فما مُـخـبِـرٌ *** وماتوا جميعًا وماتَ الخبَرْ

تروحُ وتغدو بناتُ الـثـرى *** وتُمْحَى محاسنُ تلك الصُّوَرْ

فيا سائلي عن أناس مَضَـوْا *** أمَالك فيما ترى مُعتـبَـرْ

قال‏:‏ فرجعت وأنا أبكي‏.‏

شعر على قبر بالشام بلغني أنه قرئ على قبرٍ بالشام‏:‏

باتوا على قُلَل الأجبال تحرُسُـهـم *** غُلْبُ الرجال فلم تنفعهم القُـلَـلُ

واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من معاقلـهـم *** فأسكِنوا حُفْرهًّ يا بئس ما نزلـوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما دُفـنـوا *** أين الأسرةُ والتيجانُ والـحُـلَـلً

أين الوجوهُ التي كانت مُحـخـبةً *** من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ

فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساء لهـم *** تلك الوجوهُ عليها الدودُ تقتـتـلُ

قد طال ما أكلوا دهرًا وما نَعِمـوا *** فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكِلُوا

وقال آخر‏:‏

ربَّ قوم عَبَروا من عيشهم *** في نعيم وسرور وغَـدَقْ

سكتَ الدهرُ زمانا عنهُـمُ *** ثم أبكاهم دمًا حين نَطَـقْ

بين النعمان وعدي بن يزيد نزل النُعمان ومعه عِدي بن زيد في ظل شجرةٍ عظيمةٍ ليَلْهُوَا، فقال له عدي بن زيد‏:‏ أتدري ما تقولُ هذه الشجرةُ‏.‏ قال‏:‏ لا؛ قال تقول‏:‏

رب شَرْب قد أناخوا عنـدنـا *** يشربون الخمرَ بالماءِ الزلازل

ثم أضحًوْا لَعب الدهرُ بـهـم *** وكذاك الدهرُ حالًا بعد حـال

لإبراهيم بن مهدي وقال إبراهيم بن المهدي‏:‏

بالله ربك كم بيتٍ مـررتَ بـه *** قد كان يُعْمَر باللذات والطربِ

طارتْ عُقابُ المنايا في سقائفه *** فصار من بعدها للويل والحربِ

شعر للخليل بن أحمد الفراهيدي أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي‏:‏

كن كيف شئتَ فقَصرُك الموتُ *** لا مَزْحَلٌ عـنـه ولا فَـوْت

بينا غِنَى بـيِتِ وبـهـجـتُـه *** زال الغنَى وتقوَضَ الـبـيتُ

شعر لمالك بن دينار وقد كان يخرج إلى القبور كل خميس حدّثني يزداد بن أسد عن الطَّنَافسيّ قال‏:‏ حدّثنا أبو محمد قال‏:‏ كان مالك بن دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حِمار قوطرانيّ؛ ويقول‏:‏

ألا حَي القبورَ ومن بِهِنَّـهْ *** وجوه في القبورِ أحِبُّهنَـهْ

فلو أنّ القبور سمعنَ صوتي *** إذًا لأجبنني من وجدِهِنَـهْ

ولكنّ القبورَ صمتنَ عنـي *** فابْتُ بحسرةٍ من عندِهِنَـهْ

ثم يبكي ونبكي‏.‏

بين معاوية بن أي سفيان وعُبَيْد بن شرية الجُرْهميّ قال معاوية بن أبي سفيان لعُبَيد بن شرية الجُرْهُميّ‏:‏ أخبِرْني بأعجبِ شيءٍ رأيتَه الجاهليَّة‏.‏ فقال‏:‏ إني نزلتُ بحي من قُضاعة فخرجوا بجنازةِ رجل من عُفرَة يقال له حُريث وخرجتُ معهم، حتى إذا وارَوْه في حفرته انتبذتُ جانبًا عن القوم وعيناي تذْرِفان ثم تمثلت بأبياتِ شعرٍ كنتُ أرويها قبل ذلك بزمانٍ طويلٍ‏:‏

تجري أمور ولا تَـدْرِي‏:‏ أوائلُـهـا *** خَيْرٌ لنفسك أم مـا فـيه تـأخـير

فاستقدرِ اللـه خـيرًا وارضَـيَنَ بـه *** فبينما العـسـرُ إذ دارت مـياسـر

وبينما المرءُ في الأحياءِ مغتـبـطـًا *** إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريبُ عليه ليس يعرفه *** وذو قرابته في الحيّ مسرور

قال‏:‏ وإلى جانبي رجلٌ يسمع ما أقول، فقال لي‏:‏ يا عبدَ الله، هل لك علم بقائل الأبيات‏.‏ قلتُ‏:‏ لا والله؛ إلا أني أرويها منذُ زمانٍ‏.‏ فقال‏:‏ والذي تحلِفُ به إن قائلَها لصاحبنا الذي دفنَّاه آنفًا، وهذا الذي ترى ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه وصفتَ‏.‏ فعجبتُ لما ذكره في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني جنازته، فقلت‏:‏ ‏"‏إنً البلاء موكُل بالقول‏"‏فذهبتْ مثلًا‏.‏

لأعرابي فيما هو خير من الحياة وشر من الموت قال أعرابي‏:‏ خيرٌ من الحياة ما إذا فقدتَه أبغضتَ لفقده الحياةَ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت‏.‏

شعر لأبي زبيد ولأبي العتاهية وقال أبو زُبَيد‏:‏

يملِكُ المرءُ بالرجاءِ وُيضحي *** غَرَضا للمنون نَصْبَ العودِ

كلّ يومٍ ترميه منها برَشْـقٍ *** فمصيبٌ أو صاف غير بعيد

وقال أبو العتاهية‏:‏

وَعَظَتْك أحداث صُمُتْ *** وَنَعَتْك أزمنة خُفُـتْ

وتكلَّمتْ عـن أوجـهٍ *** تَبلى وعن صور شُتُتْ

وأرتك قبرَكَ في القبو *** رِ وأنت حي لم تمًتْ

لأعرابي وقال أعرابي‏:‏ أبْعدَ سفر أولُ مَنْقَلةٍ منه الموتُ‏.‏

وقيل لأعرابيّ‏:‏ مات فلانٌ أصح ما كان‏.‏ فقال‏:‏ أوَ صحيحٌ مَن الموتُ في عُنقِه‏!‏ وقال بعض المحدَثين‏:‏

اسمعْ فقد أسمعك الصـوتُ *** إن لم تبادر فهو الـفـوت

بل كُلْ إذا شئت وعِشْ ناعما *** آخرُ هذا كلَـه الـمـوتُ

ما كان يقوله صالح المرّي في قصصه وكان صالح المرّي يقول في قَصَصه‏:‏

مؤمِّل دنيا لتـبـقَـى لـه *** فماتَ المؤفَلُ قبل الأمَـلْ

وباتَ يُروِّي أصولَ الفَسيل *** فعاش الفسيلُ ومات الرجُلْ

لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد‏:‏

كم رأينا من أناس هلكـوا *** وبكَى أحبَابُهم ثم بُـكُـوا

تركوا الدنيا لمن بعـدهُـمُ *** ودُفُم لو قدموا ما تركـوا

كم رأينا من ملوكٍ سـوقةَ *** ورأينا سُوقةً قد مَلَـكـوا

قَلَب الدهرُ عليهم وَرِكـا *** فاستداروا حيث دار الفلَكُ

بيتان كانا على جدار من جُدر القسطنطينية حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدارٍ من جُحُر كنيسة القسطنطينية ما اختلف الليلُ والنهار ولا دارتْ نجومُ السماء في الفلَكِ إلا بنقل السلطانَ عن مَلكٍ كان يحدث الدنيا إلى مَلِكِ وقال آخر‏:‏

ما أنزل الموتَ حق منزلِـهِ *** من عَدً يومًا لم يأتِ من أجَلِهْ

والصدق والصّبرُ يبلُغان بمن *** كانا قرينيْه منتهَـى أمـلِـهْ

عليك صدق اللسان مجتهـدا *** فإنّ جُل الهلاك في زللِـهْ

للطرماح وقال الطِّرماح‏:‏

فيا ربّ لا تجعلْ وفـاتـيِ إن أتـت *** على شَرجَع يُعْلَى بدُكنِ المطـارف

ولكن أجِزْ يومي شهيدًا وعُـصْـبةً *** يصابون في فجٍّ من الأرض خائف

عصائبُ من شتَّى يؤلـفُ بـينـهـم *** هُدى الله نزَّالون عند الـمـواقـف

إذا فارقوا دنياهُـم فـارقـوا الأذى *** هُدى الله نزَّالون عند الـمـواقـف

فأقتل قَعْصًا ثم يُرمَى بأعـظـمـي *** كضِغْثِ الخَلاَ بين الرياح العواصِف

ويصبِح لحمي بطنَ طـير مـقـيلة *** دُوينَ السماء في نسـورٍ عـوائِف

لنوح عليه السلام وقد بنى بيتًا من خص وُهَيب بن الوَرْد قال‏:‏ اتّخذ نوح بيتًا من خُصٍّ، فقيل له لو بنيت بيتًا‏.‏ فقال‏:‏ هذا لمن يموت كثيرٌ‏.‏

لأبي الدرداء إذا رأى جنازة، وشعر للبيد بلغني عن إسماعيل بن عَيّاش عن شُرحَبيْل بن مسلم أن أبا الدَرداء كان إذا رأى جنازةً قال‏:‏ إغْدِي فإنّا رائحون، أو قال‏:‏ روحي فإنا غادون‏.‏ وهذا مثل قول لبيد‏:‏

وإنا وإخوانًا لنا قد تتابعـوا *** لكالمغتدي والرائح المتهجرِ

لهلال بن إساف بلغني عن وَكِيع عن شَريك عن منصور عن هلال بن إِساف قال‏:‏ ما من مولود يولد إلا وفي سرّته من تربة الأرض التي يموت فيها‏.‏

أول شعر قيل في ذم الدنيا قال الأصمعي‏:‏ أوّل شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خَذّاق‏:‏

هل للفتى من بناتِ الدهر من راقي *** أم هل له من حِمَام الموت من واقي

قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَـعَـثٍ *** وألبسونـي ثـيابـًا غـيرَ أخـلاقِ

وطيَّبونـي وقـالـوا أيّمـا رجـلٍ *** وأدرجوني كأنّي طـي مـخـراقِ

هوَن عليك ولا تُولَـع بـإشـفـاقِ *** فإنما مالُنا لـلـوارث الـبـاقـي

بين النبي صلى الله عليه وسلم ورجل لا يحب الموت محمد بن فُضَيل عن عُبيد الله بن عُمَير قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال‏:‏ يا نبيً الله، ما لي لا أحبُّ الموت‏؟‏ فقال له‏:‏ ‏"‏هل لك مال‏؟‏‏"‏قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏قدمه بين يديك‏"‏‏.‏

قال‏:‏ لا أطيق ذلك‏.‏ قال‏:‏ فقال النبي عليه السلام‏:‏ ‏"‏إنّ المرءَ مع ماله إن قدمه أحبَّ أن يَلْحق به وإن أخَّره أحب أن يتخلَف معه‏"‏‏.‏

للربيع بن خيثم في مرضه المحاربيّ عن عبد الملك بن عُمَير قال‏:‏ قيل للربيع بن خيْثم في مرضه‏:‏ ألا ندعو لك طبيبًا‏؟‏ قال‏:‏ أنظِروني؛ ثم فكر فقال‏:‏ ‏"‏وعادٍ وثَمُودَ وأصحابَ الرَسَ وقُرُونًا بينَ ذلكَ كثيرًا‏"‏قد كانت فيهمِ أطباءُ، فما أرى المداوى بَقِي ولا المداوَى؛ هلك الناعتُ والمنعوتُ له، لا تدعوا لي طبيبًا‏.‏

شعر كان يتمثل به عمر بن عبد العزيز دائمًا إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال‏:‏ كان عمر بن عبد العزيز ليس له هِجيرَى إلا أن يقول‏:‏

تُسَر بما يَبلَى وتفرَحُ بالمـنـى *** كما اغترّ باللذاتِ في النوم حالمُ

نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغَفْـلةٌ *** وليلُك نومٌ والـردىَ لـك لازمُ

وسعيُك فيما سوف تكره غبـهُ *** كذلك في الدنيا تعيشُ البهـائمُ

كم من مستقبل يومًا ليس بمستكمله، ومنتظِرٍ غدا ليس من أجله، لو رأيتم الأجل ومسيرَه، لأبغضتم الأمل وغرورَه‏.‏

لا يلبث القُرنَاء أن يتفرّقوا *** ليل يَكُرّ عليهمُ ونهـارُا

لأبي هريرة يحيى بن آدم عن عبد اللّه بن المبارك عن عبد الوهاب بن وَرْد عن سالم بن بَشير بن حَجَل عن أبي هريرة‏:‏ أنه بكى في مرضه فقال‏:‏ أمَا إني لا أبكي على دنياكم ولكني أبكي على بُعْدِ سفري وقلّة زادي، وأني أمسيتُ في صُعودٍ مهبِطُه على جنةٍ أو نار، ولا أدري على أيّهما يؤخذ بي‏.‏

لمعاذ لما احتُضِر أبو جَنَاب قال‏:‏ لما احتُضِر معاذٌ قال لجاريته‏:‏ ويحكِ‏!‏ هل أصبحنا‏؟‏ قالت‏:‏ لا؛ ثم تركها ساعةً ثم قال لهًا‏:‏ أنظُرِي‏!‏ فقالت‏:‏ نعم؛ فقال‏:‏ أعوذ باللّه من صباح إلى النار ثم قال‏:‏ مرحبًا بالموت، مرحبا بزائر جاء على فاقةٍ، لا أفلَح مَنْ نَدِم‏!‏ اللهمّ إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاءَ في الدنيا لكَرْي الأنهارِ ولا لغرس الأشجارِ، ولكن كنت أحب البقاءَ لمكابدة الليل الطويل ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمةِ العلماء بالرُّكَبِ في حلَق الذَكر‏.‏

لعمرو بن العاص عند احتضاره أبو اليَقْظان قال‏:‏ لما احتُضِر عمرُو بن العاص جعل يده في موضع الغُل من عنقه ثم قال‏:‏ اللهم إنك أمرتَنا ففَرّطْنا، ونهيتنا فركِبنا، اللهم إنه لا يَسعُنا إلا رحمتُك؛ فلم يزل ذلك هِجيراه حتى قُبضَ‏.‏

لأزاذمرد في احتضاره وقد سُئِل عن حاله قيل لأزاذمَرْد بن الهِرْبذ حيني احتًضِر‏:‏ ما حالُك‏؟‏ فقال‏:‏ ما حال من يريد سفرًا بعيدًا بلا زاد، وينزلُ حفرةً من الأرض مُوحِشة بلا مؤنس، ويَقْدَمُ على ملكٍ جبّارٍ قد قَدم إليه العذرَ بلا حُجةٍ‏.‏

لأمية بن أبي الصلت عند وفاته حدثني عَبدةُ الصفارُ قال‏:‏ حدّثني العَلاء بن الفضل قال‏:‏ حدّثني محمد بن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال‏:‏ سمعتُ أميةَ بن أبي الصلْت عند وفاته وأغميَ عليه طويلًا ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت وقال‏:‏ لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما، لا عشيرتي تَحمِيني، إلا مالي يَفدِيني‏.‏ ثم أغميَ عليه طويلًا ثم أفاق فقال‏:‏

كل عيش وإن تـطـاولَ دهـرًا *** صائرٌ مـرة إلـــى أن يزولا

ليتني كنتُ قبل ما قـد بـدا لـي *** في رؤوس الجبال أرعَى الوُعُولا

ثم فاضت نفسُه‏.‏

للمنصور عند موته

الحكَم بن عثمان قال‏:‏ قال المنصور عند موته‏:‏ اللهمّ إن كنتَ تعلمَ أني قد ارتكبتُ لأمورَ العظامَ جُرأة منّي عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتُك في أحب الأشياء إليك شهادةِ أن لا له إلا أنت، مَنًا مِنْك لا مَنُّا عليك‏.‏

وكان سببُ إحرامه من الخضراء أنه كان يومًا نائمًا، فأتاه آتٍ في منامه فقال‏:‏

كأنّي بهذا القصر قد بادَ أهلُـه *** وعُرِّيَ منه أهلُه ومنـازلُـه

وصار عميدُ القوم من بعد نعمةٍ *** إلى جَدَثٍ تُبنَى عليه جنادلـه

فلم يبق إلا رسمـهُ وحـديثُـه *** تُبَكِّي عليه مُعْوِلاتٍ حـلائلـه

فاستيقظ مرعوبًا ثم نام فأتاه الآتي فقال‏:‏

أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت *** سنُوكَ وأمرُ الله لا بـد واقـع

فهل كاهن أعددتَه أو منـجـم *** أبا جعفرٍ عنك المنـيةَ دافـع

فقال‏:‏ يا ربيع آئْتِني بطَهوري‏.‏ فقام واغتسل وصلَى ولبى وتجهًز للحج، فلما صار في الثلث الأؤل اشتدت علتُه، فجعل يقول‏:‏ يا ربيع ألقِني في حرم اللّه، فمات ببئر ميمون‏.‏

فيمن يذهله احتضاره عن قول‏:‏ لا إله إلا اللّه حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير عن العباس بن طالب قال‏:‏ قال الربيع بزة‏:‏ كنتُ بالشامٍ فسمعتُ رجلًا وهو في الموت يقال له‏:‏ قل لا إله إلا الله، فقال‏:‏ اشرب واسقني‏.‏

ورأيت رجلًا بالأهواز قيل له‏:‏ قل لا إلهَ إلا الله؛ فقال‏:‏ ده يا ذده وده وداوزده‏.‏ وقيل لرجل بالبصر‏:‏ قل لا إله إلا الله، فقال‏:‏

يارب قائلة يومًا وقد لَـغِـبـتْ *** كيف الطريقُ إلى حمفَام مِنجاب

لأبي معمر فى تلقين الميت حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن معمر عن أبيه قال‏:‏ لقَن ميتَك، فإذا قالها فدعه يتكلم بغيرها من أمر الدنيا ولا تُضجِرْه‏.‏

وصية والد مالك بن ضيغم لبنيه قال مالك بن ضيغم‏:‏ لما احتُضِر أبي قلنا له‏:‏ ألا تُوصي قال‏:‏ بلى، أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ‏:‏ ‏"‏يَا بَنِيً إنً الله اصطَفَى لَكُمُ الدينَ فَلاَ تَمُوتن إلا وأنتُمْ مسْلِمُونَ‏"‏وأوصيكم بصلة الرحم وحسنِ الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين‏.‏

بين عمر بن عبد العزيز وابنه وقال عمر بن عبد العزيز لابنه‏:‏ كيف تَجدك‏.‏ قال‏:‏ في الموت؛ قال‏:‏ لأن تكونَ في ميزاني أحبّ إلي من أن أكون في ميزانك‏.‏ قال‏:‏ وأنا والله لأن يكون ما تُحبّ أحبّ إليَّ من أن يكون ما أحِبّ‏.‏

لسيبويه النحويّ في احتضاره احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطَرت قَطرةٌ من دموع أخيه على خدّه، فأفاق من غشيته وقال‏:‏

أخيينْ كنّا فـرّق الـدهـر بـينـنـا *** إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا‏!‏

وصية هَرِم بن حبان أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال‏:‏ قيل لهَرِم بن حبئان‏:‏ أوص؛ فقال‏:‏ قد صدَقَتني نفسي في الحياة، ما لي شيء أوصِي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل‏.‏

قال الشاعر‏:‏

ما ارتدّ طرفُ امرىء بلحظته *** إلا وشيء يموتُ من جسـدهْ

وقال آخر‏:‏

المرء يشقَى بما يسعَى لـوارثـه *** والقبرُ وارثُ ما يسعى له الرجُلُ

وصية الربيع بن خيثم حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيّان التيميّ عن أبيه قال‏:‏ أوصَى الربيعُ بن خيثم وأشهدَ على نفسه وكفَى بالله شهيدًا وجازيًا لعباده الصالحين ومُثيبًا‏:‏ إني رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا، وأوصِي نفسي ومن أطاعني أن يعبُدَ اللّه في العابدين ويحمده فيٍ الحامدين وينصحَ لجماعة المسلمين؛ وأوصَى أهله‏:‏ ألًا تُشعِروا بي أحدًا وسُلُوني إلى ربّي سَلًا‏.‏

لعمر بن ذرّ عند موت ابنه ذز حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال‏:‏ سمعتُ عمر بن جرير المهاجري يقول‏:‏ لما مات ذرّ بن عمر بن ذر قال لأصحابه‏:‏ الآن يضيع الشيخ لأنه كان به بارًّا؛ فسمعها الشيخُ فقال‏:‏ أنَى

أضيعُ والله حيّ لا يموت‏!‏ فلما واراه الترابَ وقف على قبره وقال‏:‏ رحمك الله يا ذرًا ماعلينا بعدك من خصاصةٍ وما بنا إلى أحدٍ مع الله حاجةٌ، وما يسرُّني أنَي كنت المقدمَ قبلَك، ولولا هولُ المطًلَع لتمنيّتُ أن أكون مكانَك، لقد شغلني الحزنُ لك عن الحزن عليك، فيا ليت شعري ماذا قلتَ وما قيل لك‏!‏ ثم رفع رأسَه إلى السماء فقال‏:‏ اللهمّ إنّي قد وهبتُ حقَي في بيني وبينه له، فهبْ حقَك فيما بينك وبينه له‏.‏ ثم قال عند انصرافه‏:‏ مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك‏.‏

لعائشة رضي اللّه عنها في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولها أيضًا على قبر أبيها حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا شُرَيح بن النّعمان عن عبد العزيز بن أبي سَلمة الماجِشُون عن عبد الواحد بن أبي عَوْن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏"‏تُوِّفي رسولُ الله؛ فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضَها، إشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العربُ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغَنَائها في الإسلام وكانت مع هذا تقول‏:‏ ‏"‏من رأى عمرَ بن الخطاب عرفَ أنه خُلِقَ غَنَاءً للإسلام، كان والله أحوزِيًّا نسيجَ وحده، قد أعد للأمور أقرانَها‏"‏‏.‏

وقالت عند قبره‏:‏ ‏"‏رحِمك الله يا أبتِ‏!‏ لقد قمتَ بالدين حين وهى شَعْبهُ وتفاقم صَدْعه؛ ورجفت جوانبُه؛ إنقبضتَ مما أصغَوْا إليه، وشمرت فيما وَنُوا فيه واستخففتَ من دنياك استوطنوا وصغَّرتَ منها ما عظموا ورعَيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا عِنان الأمن واقتَدت مطي الحذر، ولم تهضِم دينك ولم تَشِنْ غدَك ففاز عند المساهمة قِدْحُك وخفً مما استوزروا ظهرُك‏"‏‏.‏

وقالت أيضًا عند قبره‏:‏ ‏"‏نَضر اللّه وجهك يا أبتِ‏!‏ فلقد كنتَ للدنيا مُذُلًا بإدبارِك عنها وللآخرة مِعزًا بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُزْؤك وأكبرَ المصائب فقدُك إنّ كتابَ الله ليَعِدُ بجميل العزاءه عند أحسنِ العِوَض منك، فأنا أتنَجَز من الله مَوعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضُه منك بالاستغفار لك؛ عليك سلامُ الله ورحمتُه، توديعَ غير قاليةٍ لحياتك ولا زاريةٍ على القضاء فيك‏"‏‏.‏

للحسين بن علي على قبر أخيه الحسن قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن‏:‏ ‏"‏رحِمك الله أبا محمد‏!‏ إن كنتَ لَتُباصِرُ الحق مَظَانًه، وتؤلِر اللّه عند تداحُض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليلَ مَعاظم الدنيا بعينِ لها حاقرة، وتُفيضُ عليها يدًا طاهرةَ الأطرافِ نقيةَ الأسرةِ، وتردَعُ بادرةَ غربِ أعدائك بأَيسرٍ المؤونة عليك؛ ولا غَروَ وأنت ابن سلالة النبوة ورضيعُ لِبان الحكمةِ، فإلي رَوْح ورَيحانٍ وجنةِ نعيم؛ أعظمَ الله لنا ولكم الأجرَ عليه، ووهبَ لنا ولكم النبوةَ وحُسْنَ الأسَى عنه‏"‏‏.‏

تأبين ابن السماك لداود الطائي

حدثني عبد الرحمن بن الحسين السعيديّ عن محمد بن مُصْعَب‏:‏ أن ابن السفَاك قال يوم مات داودُ الطائيّ في كلام له‏:‏ إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين يديه من آخرته، فأعشَى بصرُ القلب بصرَ العين، فكًان كأنه لا ينظر إلى ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجَبون وهو منكم يعجَب، فلما رآكم راغبين مذهولين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولَكم وأماتت بحتها قلوبَكم استوحش منكم، فكنتُ إذا نظرتُ إليه نظرت إلى، حي وسطَ أمواتٍ‏.‏ يا داود ما أعجب شأنك بين أهل زمانك؛ أهَنت نفسَك وإنما تريد إكرامَها، وأتعبتهِا وإنما تريد راحتَها، أخشنتَ المطعمَ وإنما تريد طِيبَه وأخشنتَ الملبسَ وإنما تريد لِينَه، ثم أمتَ نفسَك قبل أن تموتَ، وقبَرتَها قبلَ أن تُقبَر، وعذَبتها ولما تُعذب، وأغنيتها عن الدنيا لكيلا تُذكَر، رغبتْ نفسُك عن الدنيا فلم ترها لك قدرًا إلى الآخرة، فما أظنُّك إلا وقد ظَفِرت بما طالبت؛ كان سيماك في سرك ولم يكن سيماك في علانيتك، تفقًهتَ في دينك وتركت الناس يُغَنُّون، وسمعتَ الحديثَ وتركتهم يُحدَثُون، وخَرِسْتَ عن القول وتركتهم ينطقون، لا تَحسُد الأخيارَ، ولا تعيبُ الأشرارَ، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية؛ آنسُ ما تكون إذا كنتَ بالله خاليًا، وأوحشُ ما تكون آنسُ ما يكون الناس؛ فمن سمِع بمثلك وصبرَ صبرَك وعزَم عزمَك‏!‏ لا أحسَبُك إلا وقد أتعبت العابدين بعدَك، سجنتَ نفسَك في بيتك فلا مُحدَثَ لك ولا جليسَ معك ولا فراشَ تحتك ولا سترَعلى بابك ولا قلةَ يُبَرْد فيها ماؤك ولا صحفةَ يكون فيها غَداؤك وعَشاؤك، مِطْهَرَتُك قلبُك وقَصْعتُك تَوْرُك‏.‏ داود ما كنتَ تشتهي من الماء باردَه ولا من الطعام طيبَهُ ولا من اللباس ليِّنَه، بلى‏!‏ ولكن زَهِدتَ فيه لما بين يديك، فما أصغرَ ما بذلت وما أحقرَ ما تركتَ في جنب ما أملتَ، فلما مِتَّ شَهَرَك ربك بموتك، وألبسَك رداءَ عصلك وأكثرَ تبعَك، فلو رأيتَ من حضَرك عرفتَ أنّ ربَّك قد أكرمك وشرفك، فَلْتتكلّم اليوم عشيرتُك بكلِّ ألسنتها، فقد أوضحَ ربك فضلَها بك، ووالله لو لم يَدْعُ عبدًا إلى خيرٍ بعمله إلا حُسْنُ هذا النَشرِ من كثرة هذا التَبَع، لقد كان حقيقًا بالاجتهاد والجهد لمن لا يُضيع مُطيعًا ولا ينسى صنيعًا شاكرًا ومُثيبًا‏.‏

لمحمد بن سليمان عند قبر ابنه وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال‏:‏ اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه، فحقق رجائي وآمن خوفي‏.‏

لمالك بن أنس عند قبر ابنه مات ابن لأنَس بن مالك فقال أنَسٌ عند قبره‏:‏ اللهم عبدُك وولدُ عبدك وقد رُدَّ إليك فارأفْ به وارحمْه، وجافِ الأرضَ عن بدنه، وافتح أبوابَ السماء لرُوحه وتقبلْه بقبولٍ حسنِ‏.‏ ثم رجع فأكلَ وشربَ وادهن وأصاب من أهله‏.‏

شعر لجرير يرثي امرأته وقال جرير في امرأته‏:‏

لا يلبَث القُرنَاءُ أن يتفرّقوا *** ليل يَكُرُ عليهـم ونـهـارُ

صلّى الملائكةُ الذين تُخِيرُوا *** والطيِّبون عليكِ والأبـرارُ

أعرابية ترثي ابنها وقفتْ أعرابيّة على قبر ابنها فقالت‏:‏ والله ما كان مالُك لعِرسِك، ولا همُّك لنفسك، وما كنتَ إلا كما قال القائل‏:‏

رحيبُ النراع بالتي لا تَـشِـينُـه *** وإن كانت الفحشاءُ ضَاقَ بها ذَرْعا

شعر لعديّ بن زيد كان سفيان بن عيينة يستحسنه حدثني محمد بن داود عن الصَلْت بن مسعود قال‏:‏ كان سفيان بن عُيَينة يستحسن شعر عدي بن زيد‏:‏

أين أهلُ الديار من قـوم نـوحٍ *** ثم عادٌ من بعدهـم وثـمـودُ

بينما هم علـى الأسـرة والأن *** ماط أفضت إلى التراب الخدودُ

ثم لم ينقَض الحـديثُ ولـكـن *** بعد ذا الوعدُ كلُـه والـوعـيدُ

وأطباءُ بعدَهـم لـحِـقـوهـمٍ *** ضل عنهم سَعُوطهم واللًـدُود

وصحيحٌ أضحى يعود مريضـًا *** وهو أدنى للموتِ ممن يعـودُ

أخذه عليّ بن الجهم فقال‏:‏

كم من عليل قد تخَطاه الردى *** فنجا ومات طبيبُه والعُـوَّدُ

لربعي بن حراش

حدثني عَبْدة بن عبد الله قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الملك بن عُمَير عن ربْعِي بن حِراش قال‏:‏ أتيتُ أهلي فقيل لي‏:‏ مات أخوك‏.‏ فوجدتُ أخي مُسَجًى عليه بثوب، فأنا عند رأسه أترحَم عليه وأدعو له إذ كَشَفَ الثوبَ عن وجهه فقال‏:‏ السلام عليكم‏.‏ فقلنا‏:‏ وعليكَ السلام، سبحان الله‏!‏ بعد الموت‏!‏ فقال‏:‏ إني تُلُقَيتُ برَوْح ورَيْحان وربً غيرِ غضبان، وكساني بابًا من سندسٍ وإسْتَبرَق، وإني وجدتُ الأمرَ أيسرَ مما تظنون ولا تتكِلوا؛ إني استأذنت ربيِّ أن أخبركم وأبشّرَكم، إحملوني إلى رسول الله، فقد عُهِد إليّ ألَّا أبْرَحَ حتى ألقاه ثم طَفِيء‏.‏

لمطرف عن أهل القبور حدثني أبو سهل عن عليّ بن محمد عن إسحاق بن منصور عن عمارة بن زاذان عن ثابت أن مُطرفًا كان يبدو على دابته بين المقام فأغفى فإذا أهلُ القبور جلوس على شِفَاه قبورهم يقولون‏:‏ هذا مُطَرفٌ يروح إلى الجُمعة‏.‏ قلتُ‏:‏ هل تعرفون يومَ الجمعة‏.‏ قالوا‏:‏ نعم، وما تقول الطيرُ في جوف السماء، يقولون‏:‏ سلام، يومٌ صالحٌ‏.‏

عن جابر في عين أبي زياد التي حفرها معاوية حدثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا سُفيان بن عُيَينة عن أبي الربير عن جابر قال‏:‏ لما أراد معاوية أن تَجرِيَ العينُ التي حفرها - قال سفيان‏:‏ تُسفَى عينَ أبي زياد - نادوْا بالمدينة‏:‏ من كان له قتيل فليأتِ قتيلَه‏.‏ قال جابر‏:‏ فأتيناهم فأخرجناهم رِطَبًا يتثَنون، وأصابت المِسحَاة رِجْلَ رجلٍ منهم فانفَطَرتْ دمًا‏.‏ قال أبو سعيد الخدري‏:‏ لا يُنكِرُ بعدَ هذا مُنكِر أبدًا‏.‏

في أن أهل القبور يتوكفون الأخبار حدّثني محمد بن عُبيد قال‏:‏ حدثنا ابن عُيينة عن عمرو بن دينار عن عُبَيد بن عُمَير قال‏:‏ أهلُ القبور يتوَكَفُون الأخبارَ فإذا أتاهم الميت سألوه‏:‏ ما فعل فلانٌ‏؟‏ فيقول‏:‏ ألم يأتكم‏!‏ فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون، سُلِكَ به غيرُ سبيلنا‏.‏

للربيع بن صبيح وحميد الطويل في ثابت البناني بعد موته حدثني عبد الرحمن العَبْدي عن جعفر بن أبي جعفر قال‏:‏ حدثنا أبو جعفر السائح عن الربيع بن صَبِيح قال‏:‏ شهِدتُ ثابتًا البُنَاني يوم مات وشهده أهلُ البَصرة، فدخلتُ قبرَه أنا وحُميدَ الطويلُ وأبو جعفر حسن مما يلي رأسَه فلما ذهبتُ أسَوَي عليه اللَبِنةَ سقطَتْ من يدي فلم أرَ في اللحد أحدًا، وأصغى إليً حُميدٌ أن اختُطِفَ صاحبُنا وضجً الناسُ فسوينا على اللحد وحثونا الترابَ؛ فلبم يكن لحُميدٍ هِمًةٌ حتى أتى سليمان بن عليّ وهو أميرٌ على البَصرة فأخبره، فقال‏:‏ ما ينكَرُ لله قدرة‏!‏ إلا أني انكِر أن يكون أحد من أهل زماننا يُفْعَلُ هذا به، فهل علم به أحد سواك قال‏:‏ نعم، الربيع بن صَبيح وحَسَن؛ قال‏:‏ عَدْلان مَرْضِيان، فبعثَ أمناءَ جيرانه فنبشوا عنه فلم يجدوه في قبره‏.‏

لأعرابية تدعى أم غسان المكفوفة وحدثني أيضًا عن أعرابيّة كان يُقال لها أم غَسّان مكفوفةٍ وكانت تعيشُ بمِغزَلها وتقول‏:‏ الحمدُ للة على ما قضى وارتضَى‏.‏ رضيتُ من الله ما رضِيَ لي، وأستعينُ اللهّ على بيتٍ ضيق الفِناء قليلِ الكِوَاءِ وأستعين الله على ما يُطالعَ من نواحيه‏.‏

وماتت جارةٌ لها فقيل لها‏:‏ ما فعلتْ جارتك‏؟‏ فقالت‏:‏

تقَسّم جاراتُها بـيتَـهـا *** وصارت إلى بيتها الأتلد

وقالت يومًا‏:‏ إن تقبل الله مني صلاةً لم يعذَبْني‏.‏ فقيل لها‏:‏ كيف ذلك‏؟‏ قالت‏:‏ لأنّ الله وجل لايثني في رحمتِه وحلمِهِ‏.‏

قال‏:‏ وكنتُ سمعتُ حديثَ معاذ‏"‏من كُتِبَتْ له حسنةٌ دخلَ الجنّةَ، ولم أعر ما تفسيره حتى سمعت أمّ غسانَ تقول هذا، فعرفت تأويلَه‏.‏